تحليل - احمد الليثي:
لم تكد تمر دقائق معدودة على اعلان جماعة الإخوان المسلمين، ترشيح المهندس خيرت الشاطر لخوض انتخابات الرئاسة حتى توالت ردود الأفعال الغاضبة من جميع الاطراف تقريبا في مصر انتقادا لهذا القرار الذي فاجأ الكثيرين.
وكانت الجماعة قد تعهدت في بيان رسمي في 10 فبراير من عام 2011 وقبل تنحي مبارك بيوم واحد وبالتنسيق مع القوات المسلحة انها لن تدفع بمرشح للرئاسة، بهدف طمأنة العالم الخارجي، ولم تمسك الجماعة العصا من المنتصف كعادتها في معظم المواقف وكانوا حاسمين في اعلانهم عدم خوض السباق الرئاسي.
وبالرغم من ان التراجع عن هذا الالتزام سيصيب مصداقية الجماعة بضرر شديد، وبالرغم من ان الجميع - وفي مقدمتهم الاخوان - يعلمون جيدا ان المشكلات التي تعاني منها مصر كثيرة جدا، واعلانهم اكثر من مرة انه لا يقوى فصيل واحد على تحمل مسئوليتها، وان فرص نجاح الرئيس القادم ستكون ضئيلة بسبب الحالة المتردية في كل القطاعات، وبالرغم من إن فوز الشاطر بالرئاسة قد يضع مصر في مواجهة مفتوحة مع الغرب وأمريكا بل ودول الخليج خاصة الإمارات، واحتمالات تكرار سيناريو غزة، بالرغم من كل ذلك قرر الاخوان ترشيح الشاطر.
وبقراءة متأنية للبيانات الصادرة عن الاخوان المسلمين وحزبهم الحرية والعدالة طوال الاسبوعين الاخيرين يمكن التوصل للاسباب القوية التي دفعت الجماعة للمغامرة بمستقبلها السياسي وتراجعها عن تعهدها في تحدي واضح للجميع، ضاربة عرض الحائط بكل هذه المعوقات، واتباع سياسة حافة الهاوية.
التهديد بحل البرلمان
بعد انكار لعدة ايام، قالها الاخوان بصراحة في بيانهم، ان المجلس العسكري هدد الجماعة بحل مجلسي الشعب والشورى إن هم اصروا على سحب الثقة من حكومة كمال الجنزوري، وهو الامر الذي ان حدث سيعيد الاخوان الى نقطة الصفر، ويضيع كل مكاسبهم المتمثلة في البرلمان واللجنة التأسيسية للدستور بجرة قلم، لذلك، رأى الاخوان ان يستبقوا هذه الخطوة - ان هي حدثت - او على الاقل يفرغونها من مضمونها بحيث اذا تم حل مجلس الشعب، يكون هناك ما يراهن الاخوان عليه وهو انتخابات الرئاسة.
تآكل شعبية الاخوان
اعلن الاخوان اكثر من مرة ان المجلس العسكري وأداته التنفيذية المتمثلة في حكومة الجنزوري تتعمد ''حرق شعبية الاخوان في الشارع'' من خلال خلق الازمات المعيشية للمواطن العادي ''الخبز والوقود والبوتاجاز وغيرها'' حتى يشعر بفشل مجلس الشعب ومن ورائه الاخوان في حل مشكلاته وان الامر كله بيد المجلس العسكري.
ويتخوف الاخوان من حكومة الجنزورى التي يقولون انها تعمل بجد على حرق الأرض تحت أرجلهم حتى اذا قاموا بشكيل الحكومة يتم إفشالها، كما ان أى رئيس غير إخوانى أو حتى محسوب على التيار الإسلامى سيتصادم إن آجلا أو عاجلا معهم، وبالتالى فإن كل ما حصلوا عليه من أغلبية فى البرلمان - حتى وان شكلوا الحكومة - لن يكون ذا جدوى إذا ظل لرئيس الجمهورية غير الإخوانى صلاحيات كثيرة فى الدستور.
واذا خسر الاخوان شعبيتهم في الطبقات الوسطى والفقيرة فمن الصعب استعادتها في الاجل القصير وهو ما قد يعطي اعداء الجماعة - وهم كثر - الفرصة للانقضاض عليها واعادتها مرة اخرى لمربع الاضطهاد والمطاردة.
منع تفتت الجماعة
احدث اعلان الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح خوض انتخابات الرئاسة انشقاقات داخل الجماعة، وبالرغم من محدودية هذه الانشقاقات الا انها كانت مرشحة للزيادة اذا لم تقدم الجماعة مرشحا قويا تدعمه ويمكنه اقناع الصف الاخواني.
ومن المعروف انه من اهم اهداف الجماعة الحفاظ على متانة التنظيم حتى ولو على حساب المكاسب السياسية، فالاخوان طوال تاريخهم يقدمون مبدأ الحفاظ على جسم الجماعة متماسكا امام المحن او المتغيرات انتظارا لفرصة مواتية، وهو ما نجحوا فيه لاكثر من 80 عاما، فقيادات الاخوان ترى ان ترشيح الشاطر سيوحد الاخوان على قلب رجل واحد ويعيد للجماعة ابرز نقاط قوتها وهي التزام اعضاءها وتماسكهم، حتى وان خسر الشاطر السباق، فسيكون وقتها لكل حادث حديث.
الخوف من ابو اسماعيل
لم يخفي احد من القوى السياسية، اسلامية كانت او ليبرالية، انزعاجه من الطريقة التي قدم بها الشيخ حازم ابو اسماعيل اوراق ترشحه للجنة انتخابات الرئاسة، فالرجل قام باكبر استعراض للعضلات - قد يكلفه الكثير فيما بعد - مصطحبا عشرات الالاف من الانصار الذين سيطروا على القاهرة لعدة ساعات وهم يحملون اكثر من 150 الف توكيل اي ما يعادل خمسة اضعاف الرقم المطلوب.
وهنا خشى الاخوان على مستقبلهم ان هم وقفوا موقف المتفرج على الرجل وهو يخطو بثبات نحو الرئاسة، وليس من المتصور ان يظل الحزب الاكبر في البلاد خارج اللعبة بينما اخرون - حتى وان كانوا من التيار الاسلامي - يتقدمون نحو كرسي الحكم، في نفس الوقت الذي يهدد العسكر بحل البرلمان ليجد الاخوان انسفهم عراة في مهب الريح.
ولهذا جاءت الدعوة لاجتماع طارئ يوم السبت وقبل موعده المعلن من قبل بأربعة ايام ليقوم الاخوان باستدراك الامر قبل فوات الاوان.
صرف النظر عن الدستور
طوال الاسبوع الذي سبق اعلان الاخوان عن مرشحهم، كان الضغط شديدا على الجماعة بسبب استحواذها على نسبة كبيرة من اعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، وتوالت الانسحابات منها بما هددها بالتفكك، واتهم الاخوان المجلس العسكري والقوى الليبرالية بالسعي لافشال اللجنة و''تعويق'' مسار التحول الديمقراطي، لكنهم بإعلان ترشيح الشاطر، صرفوا التركيز تماما عن تشكيل اللجنة بحيث يمكنهم الان استرضاء المعترضين ببضعة مقاعد في اللجنة بحيث لا تؤثر كثيرا على الهيكل الاساسي لتشكيلها ومن ثم تمرير الدستور الذي يرون انه الافضل.
التهديد بسيناريو 1954
ومن ام الاسباب التي دفعت الاخوان لخوض انتخابات الرئاسة التهديد الواضح والصريح - والاحمق في وجهة نظري - من المجلس العسكري بتكرار الماضي والتنكيل بالاخوان كما فعل جمال عبد الناصر عام 1954، وليس من المتصور ان ينتظر الاخوان مكتوفي الايدي، ينظرون الى السماء وهم يتساءلون: هل هذا مجرد ''تهويش'' من المجلس العسكري ام انه يستعدم للفتك بهم ويأخذ الامر بجدية؟
لذلك قرر الاخوان التقدم خطوة للامام لقطع الطريق على العسكر، وقاموا - على طريقة الشطرنج - بنقلة تضع المجلس العسكري تحت الحصار فيكون اللجوء للتنكيل بالجماعة بمثابة خيار شمشون، وهدم للمعبد على رؤوس الجميع.
استبعاد سيناريو غزة
اخيرا، نجح الاخوان خلال العام الماضي في التواصل مع العالم الخارجي وخاصة امريكا والغرب وصححوا جزءا كبيرا من الصورة السلبية التي رسمها لهم نظام مبارك، بل ان الامر وصل الى حد اتهمات واضحة من القوى السياسية للاخوان بالتنسيق مع الامريكان والغرب، وكان اخر مؤشرات تلك ''التفاهامات'' شكر الامريكان للاخوان على دور الجماعة في قضية التمويل الاجنبي، ما جعل الاخوان يستبعدون تكرار سيناريو غزة وحصار الغرب لمصر في حالة وصولهم للحكم.
كما نجحت الجماعة في اذابة الجليد بينها وبين الاقباط في الداخل وازالة جزء كبير من مخاوفهم من حكم الاخوان، من خلال الزيارات المتبادلة والمواقف السياسية المعتدلة، حتى ان اخر شخصية زارت البابا الراحل شنودة الثالث قبل موته بساعات وتبادل معه النكات والذكريات القديمة كان مرشد الاخوان.